الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان، عن علي بن علي، وهو الرّفاعي، وقال الترمذي: هو أشهر حديث في هذا الباب. وقد فسَر الهمز بالموتة وهي الخنق، والنَّفخ بالكبر، والنفث بالشعر. كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث شعبة، عن عمرو بن مُرّة، عن عاصم العَنزيّ، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة، قال: «الله أكبر كبيرًا، ثلاثًا، الحمد لله كثيرا، ثلاثًا، سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من هَمْزه ونَفْخه ونفْثه». قال عمرو: وهمزه الموتة، ونفخه الكبر، ونفثه الشعر. وقال ابن ماجه: حدثنا علي بن المنذر، حدثنا ابن فُضيل، حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهَمْزه ونفخه ونفثه». قال: همزه: الموتة، ونَفْثُه: الشعر، ونفخه: الكِبْر. وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا شريك، عن يعلى بن عطاء، عن رجل حدثه: أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبَّر ثلاثًا، ثم قال: «لا إله إلا الله» ثلاث مرات، و«سبحان الله وبحمده»، ثلاث مرات. ثم قال: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه». وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي، حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، قال: تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فَتَمزّع أنف أحدهما غضبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم شيئا لو قاله ذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة، عن يوسف بن عيسى المروزي، عن الفضل بن موسى، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، به. وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل، عن أبي سعيد، عن زائدة، وأبو داود عن يوسف بن موسى، عن جرير بن عبد الحميد، والترمذي، والنسائي في اليوم والليلة عن بُنْدَار، عن ابن مهدي، عن الثوري، والنسائي- أيضًا- من حديث زائدة بن قدامة، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: استَب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما غضبًا شديدًا حتى خُيّل إليّ أن أحدهما يَتَمزّع أنفه من شدة غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب». قال: ما هي يا رسول الله؟ قال: «يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم». قال: فجعل معاذ يأمره، فأبى ومحك، وجعل يزداد غضبًا. وهذا لفظ أبي داود. وقال الترمذي: مرسل، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل، فإنه مات قبل سنة عشرين. قلت: وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبيّ بن كعب، كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة، رضي الله عنهم. قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، قال: قال سليمان بن صُرَد: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عنده جلوس، فأحدهما يسب صاحبه مغضَبًا قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لست بمجنون». وقد رواه- أيضًا- مع مسلم، وأبي داود، والنسائي، من طرق متعددة، عن الأعمش، به. وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا، وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال، والله أعلم. وقد رُوِيَ أن جبريل عليه السلام، أوّل ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاستعاذة، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا بشر بن عمارة، حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد، استعذ. قال: «أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» ثم قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} قال عبد الله: وهي أول سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان جبريل. وهذا الأثر غريب، وإنما ذكرناه ليعرف، فإن في إسناده ضعفًا وانقطاعًا، والله أعلم. .مسألة: (استحباب الاستعاذة): وقال بعضهم: كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه. .مسألة: (الجهر بالتعوذ): .مسألة: (الاستعاذة في الصلاة): وقال أبو يوسف: بل للصلاة، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد، والجمهور بعدها قبل القراءة. .ومن لطائف الاستعاذة: .فصل: (جوهر الاستعاذة): .فصل معنى الاستعاذة: والشيطان في لغة العرب مشتق من شَطَن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير، وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار، ومنهم من يقول: كلاهما صحيح في المعنى، ولكن الأول أصح، وعليه يدل كلام العرب؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان، عليه السلام: فقال: أيما شاطن، ولم يقل: أيما شائط. وقال النابغة الذبياني- وهو: زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذُبْيان-: يقول: بعدت بها طريق بعيدة. وقال سيبويه: العرب تقول: تشيطن فلان إذا فَعَل فِعْل الشيطان ولو كان من شاط لقالوا: تشيط. والشيطان مشتق من البعد على الصحيح؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانًا، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]. وفي مسند الإمام أحمد، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، تعوّذ بالله من شياطين الإنس والجن»، فقلت: أو للإنس شياطين؟ قال: «نعم». وفي صحيح مسلم عن أبي ذر- أيضًا- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود». فقلت: يا رسول الله، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر فقال: «الكلب الأسود شيطان». وقال ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ركب برْذونًا، فجعل يتبخْتر به، فجعل لا يضربه فلا يزداد إلا تبخترًا، فنزل عنه، وقال: ما حملتموني إلا على شيطان، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي. إسناده صحيح. والرّجيم: فعيل بمعنى مفعول، أي: إنه مرجوم مطرود عن الخير كله، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5]، وقال تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَاب وَاصِب إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَاب ثَاقِب} [الصافات: 6- 10]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَاب مُبِين} [الحجر: 16- 18]، إلى غير ذلك من الآيات. وقيل: رجيم بمعنى راجم؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر. اهـ.
|